سورة الصافات - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)}
{أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما} أي كان بعض أجزائنا ترابًا وبعضها عظامًا وتقديم التراب لأنه منقلب عن الأجزاء البادية، وإذا إما شرطية وجوابها محذوف دل عليه قوله تعالى: {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} أي نبعث وفي عاملها الكلام المشهور، وإما متمحضة للظرفية فلا جواب لها ومتعلقها محذوف يدل عليه ذلك أيضًا لا هو لأن ما بعد إن واللام لا يعمل فيما قبله أي انبعث إذا متنا، وإن شئت فقدره مؤخرًا فتقديم الظرف لتقوية الإنكار للبعث بتوجيهه إلى حالة منافية لع غاية المنافاة، وكذا تكرير الهمزة للمبالغة والتشديد في ذلك وكذا تحلية الجملة بأن، واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما يوهمه ظاهر النظم الكريم فإن تقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة. وقرأ ابن عامر بطرح الهمزة الأولى. وقرأ نافع. والكسائي. ويعقوب بطرح الثانية.


{أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)}
{أَوَ ءابَاؤُنَا الاولون} مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر إن عليه أي أو آباؤنا الأولون مبعوثون أيضًا والجملة معطوفة على الجملة قبلها. وهذا أحد مذاهب في نحو هذا التركيب. وظاهر كلام أبي حيان في شرح التسهيل أن حذف الخبر واجب فقد قال: قال من نحا إلى هذا المذهب الأصل في هذه المسألة عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما قبل عليه أنابوا حرف العطف مكانه ولم يقدروا إذ ذاك الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعًا بين العوض والمعوض عنه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفرد. وثاني المذاهب أن يكون معطوفًا على الضمير المستتر في خبر إن إن كان مما يتحمل الضمير وكان الضمير مؤكدًا أو كان بينه وبين المعطوف فاصل ما والا ضعف العطف. ونسب ابن هشام هذا المذهب والذي قبله إلى المحققين من البصريين. وفي تأتيه هنا من غير ضعف للفصل بالهمزة بحث فقد قال أبو حيان: إن همزة الاستفهام لا تدخل على المعطوف إلا إذا كان جملة لئلا يلزم عمل ما قبل الهمزة فيما بعدها وهو غير جائز لصدارتها. والجواب بأن الهمزة هنا مؤكدة للاستبعاد فهي في النية مقدمة داخلة على الجملة في الحقيقة لكن فصل بينهما بما فصل قد بحث فيه بأن الحرف لا يكرر للتوكيد بدون مدخوله والمذكور في النحو أن الاستفهام له الصدر من غير فرق بين مؤكد ومؤسس مع أن كون الهمزة في نية التقديم يضعف أمر الاعتداد بالفصل بها لا سيما وهي حرف واحد فلا يقاس الفصل بها على الفصل بلا في قوله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ءَابَاؤُنَا} [الأنعام: 148].
وثالثها أن يكون عطفًا على محل إن مع ما عملت فيه، والظاهر أنه حينئذ من عطف الجمل في الحقيقة، ورابعها أن يكون عطفًا على محل اسم إن لأنه كان قبل دخولها في موضع رفع، والظاهر أنه حينئذ من عطف المفردات.
واعترض بأن الرفع كان بالابتداء وهو عامل معنوي، وقد بطل بالعامل اللفظي. وأجيب بأن وجوده كلا وجود لشبهة بالزائد من حيث أنه لا يغير معنى الجملة وإنما يفيد التأكيد فقط. واعترض أيضًا بأن الخبر المذكور كمبعوثون في الآية يكون حينئذ خبرًا عنهما وخبر المبتدأ رافعه الابتداء أو المبتدأ أو هما وخبر إن رافعه إن فيتوارد عاملان على معمول واحد. وأجيب بأن العوامل النحوية ليست مؤثرات حقيقية بل هي نزلة العلامات فلا يضر تواردها على معمول واحد وهو كما ترى، وتمام الكلام في محله، وعلى كل حال الأولى ما تقدم من كونه مبتدأ حذف خبره؛ وقد قال أبو حيان: إن أرباب الأقوال الثلاثة الأخيرة متفقون على جواز القول الأول وهو يؤيد القول بأولويته، وأيًا ما كان فمراد الكفرة زيادة استبعاد بعث آبائهم بناء على أنهم أقدم فبعثهم أبعد على عقولهم القاصرة. وقرأ أبو جعفر. وشيبة. وابن عامر. ونافع في رواية. وقالوا: {أَوْ} بالسكون على أنها حرف عطف وفيه الاحتمالات الأربعة إلا أن العطف على الضمير على هذه القراءة ضعيف لعدم الفصل بشيء أصلًا.


{قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)}
{قُلْ نَعَمْ} أي تبعثون أنتم وآباؤكم الأولون والخطاب في قوله سبحانه: {وَأَنتُمْ داخرون} لهم ولآبائهم بطريق التغليب، والجملة في موضع الحال من فاعل ما دل عليه {نِعْمَ} أي تبعثون كلكم والحال إنكم صاغرون أذلاء، وهذه الحال زيادة في الجواب نظير ما وقع في جوابه عليه الصلاة والسلام لأبي بن خلف حين جاء بعظم قد رم وجعل يفته بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما رم فقال صلى الله عليه وسلم له على ما في بعض الروايات «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» وقال غير واحد: إن ذلك من الأسلوب الحكيم. وتعقب بأن عد الزيادة منه لا توافق ما قرر في المعاني وإن كان ذلك اصطلاحًا جديدًا فلا مشاحة في الاصطلاح واكتفى في جواب عن إنكارهم البعث على هذا المقدار ولم يقم دليل عليه اكتفاء بسبق ما يدل على جواز في قوله سبحانه: {فاستفتهم} [الصافات: 11] إلخ مع أن المخبر قد علم صدقه عجزاته الواقعة في الخارج التي دل عليها قوله سبحانه: {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} [الصافات: 41] الآية. وهزؤهم وتسميتهم لها سحرًا لا يضر طالب الحق، والقول بأن ذلك للاكتفاء بقيام الحجة عليهم في القيامة ليس بشيء. وقرأ ابن وثاب. والكسائي {نِعْمَ} بكسر العين وهي لغة فيه. وقرئ {قَالَ} أي الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9